
بقلم: Lana Goes (ترجمة موقع روحانية )
“الكثير من الناس يرغبون في الركوب معك في الليموزين، لكن ما تحتاجه حقًا هو شخص يرافقك في الحافلة حين تتعطل الليموزين.” – أوبرا وينفري
“كيف سأتمكن من الصمود؟! ليس لدي أي أصدقاء على الإطلاق!”

كانت هذه الأفكار تدور في ذهني حين وطأت قدماي لندن قبل خمس سنوات. شعرت حينها بالوحدة والضعف، في تلك المدينة الجميلة التي كان عليّ أن أجعلها وطني الجديد، وحدي، مع طفليّ، بينما كان زوجي خارج البلاد. تساءلت كيف سأتمكن من إدارة كل شيء بمفردي.
كان لدي صديقة تُدعى ج، التقيت بها في شهر عسلي في بالي، لكننا كنا نحتفظ بالاتصال بين الحين والآخر، فلم أتوقع الكثير منها. لم أستطع حقًا أن أصفها بصديقتي، ربما مجرد معارف ودية، لكن، بشكل مفاجئ، كانت دعمًا صلبًا وملاذًا أحتاجه بشدة، وظهرت كما لو كانت ملاكًا حارسًا في حياتي.
كل يوم سبت بعد العمل، كانت تأتي إلى منزلي لنقضي وقتًا معًا. أحيانًا نذهب في نزهة إلى الحديقة، وأحيانًا أخرى كانت تشجعني على قيادة السيارة – وهو أمر كنت أتحاشاه. زارت ابنتي حين تعرضت للسقوط ووُضِع لها جبيرة، وحرصت على أن يكون عيد ميلادها الأربع سنوات ذكرى لا تُنسى. ساعدتني حتى في ترتيب طاولة حديقة المنزل وكراسينا. لو حاولت وصف امتناني، لما كفت الكلمات عن التعبير عن عمق ذلك الامتنان.
كنت ممتنة، أولًا، لأن الصداقة والمساعدة جاءتا بشكل غير متوقع. ثانيًا، لأن قلبها كان واسعًا وصادقًا في عطائها. وأخيرًا، لأنها قبلتني كما أنا، بكل ما أستطيع أن أقدمه في تلك المرحلة من حياتي.
لأول مرة في حياتي، شعرت أنني مُتلقية في علاقة صداقة، بعد أن كنت دائمًا الجهة المُعطية.
لكن مع ج، كان الأمر مختلفًا. كرمها أدهشني وأثر فيّ، فكنت أشكرها دائمًا وأعبر لها عن تقديري لكل جهد بذلته من أجلنا. لكنها دائمًا كانت تتجاهل الشكر، مبتسمة برفق. في يوم من الأيام، حين كنت أشكرها للمرة الألف، قالت لي: “لانا، الصداقة تبادلية. أنا أيضًا أقدر قضاء الوقت معك ومع أطفالك الصغار، فهم يضيفون الكثير من الفرح إلى حياتي!”
ثم شرحت لي كيف فقدت صديقتين لها بسبب المرض في السنوات الماضية، وكيف تركتها تلك الخسارات فجأة في حالة من الانكسار والوجع العميق. وقالت إن قضاء الوقت معنا ساعدها على تجاوز تلك المحنة. شعرت بالصدمة لسماع ذلك، لكنها كانت فرصة لأدرك أن أطفالي وأنا نستطيع ملء فراغها، بكل عيوبنا ونقصنا، بحضورنا وصدقنا.
لقد علمتني صراحتها وكرمها دروسًا جوهرية حول الصداقة، ومكنتني من التمييز بين الصداقة الصحية وتلك التي تضر الروح. وهنا سنستعرض أبرز العلامات التي تكشف عن صحة الصداقة.
العلامات الدالة على الصداقة الصحية:
- توازن العطاء والأخذ: في الصداقة الحقيقية، يكون هناك توازن بين ما يقدمه كل طرف وما يتلقاه. تُعامل احتياجات كل شخص على أنها أساسية، فلا تشعر أبدًا أن الصداقة منحازة أو أحادية الجانب.
- الصدق والشفافية: الصديق الحقيقي صريح معك، ولا يخفي مشاعره أو احتياجاته. حين فتحت ج قلبها لي بصراحة، تعززت صداقتنا لأنني شعرت بأنني مهمة بالنسبة لها كما هي مهمة بالنسبة لي. حتى تلك اللحظة، كنت أظن أنني الطرف الضعيف المحتاج، وفوجئت بمعرفة أنها بحاجة إليّ أيضًا.
- اللطف والقبول الكامل: الصديق الصادق يكون لطيفًا ومتعاطفًا، ويقبلك كما أنت. كانت ج دائمًا تراعي شعوري بالارتباك والخوف، وكانت سعيدة بأن تكون صديقتي حتى وأنا مرهقة ومضطربة، وقبلتني دون أي شروط.
- الحرية والاستقلالية: الأصدقاء الحقيقيون لا يحاولون السيطرة عليك أو فرض نمط حياتهم. رغم كوني جديدة على الكثير من الأمور، لم تحاول ج التحكم بي، بل كانت تقدم اقتراحات وتشجعني أحيانًا على الخروج من دائرة راحتي، دون أن تتجاوز أي حدود. أعطتني المساحة التي أحتاجها.
- الكرم بالمشاعر والوقت: الصديق الجيد كريم، سواء بوقته، أو جهده، أو أي شيء يمتلكه. كانت ج سخية بوقتها ورفقتها، وأخذتني لأماكن جديدة مع بناتي، فكان وجودها يضفي راحة وسعادة على رحلاتنا.
- الامتنان المتبادل: الأصدقاء الحقيقيون يقدّرون بعضهم بعضًا، ولا يحاولون استغلال ضعف الآخر.
- النية الطيبة وعدم الاستغلال: لا يسعى الصديق الصادق لتحقيق مكاسب شخصية من الآخر. يقضون الوقت معًا بدافع المحبة والتقدير، وليس لتحقيق منفعة مادية أو معنوية.
حين تتوفر هذه العناصر – التوازن، الصدق، الاحترام، التعاطف – يمكنك التأكد أن الصداقة صادقة وقابلة للاستمرار.
من خلال ج تعلمت أن الصداقة طريق ذو اتجاهين. قبل ذلك، لم أضع أي معايير، واستقبلت أي شخص كصديق، حتى أولئك الذين استغلوني أو خذلوني. ج رفعت معي معيارًا أعلى بكثير.
أما علامات الصداقة غير الصحية فهي كالتالي:
- الصداقة أحادية الجانب: الشخص الآخر يهيمن على العلاقة، ويضع احتياجاته ورغباته قبل احتياجاتك.
- قلة الحساسية: لا يأخذ الآخر احتياجاتك على محمل الجد، أو يسخر منها، أو يقلل من أهميتها.
- التقليل من قيمتك: يحاولون بث الشك في قدراتك، ويجعلك تشعر بعدم الكفاءة، أو يمنعونك من متابعة رغباتك واحتياجاتك.
- استغلالك كوسيلة: يراك مجرد أداة لتحقيق أهدافهم، سواء في عملهم أو علاقاتهم الأخرى.
- عدم الاحترام: يتجاوزون حدودك، يتحدثون معك بنبرة متعالية، ويعاملوك وكأنك غير مهم.
- عدم تقدير الوقت والجهد: لا يحترمون وقتك أو ما تبذله من جهود.
- المطالبة المفرطة: يظنون أن كل شيء يجب أن يدور حولهم.
- المشاكل المستمرة: لديهم مشكلات لا يحلونها بأنفسهم، ولا يسألون عنك أبدًا، فأنت موجود فقط للاستماع لهم وتلبية احتياجاتهم.
- المنافسة الدائمة: يرون كل شيء لعبة، ويجب أن يكونوا هم الفائزين دائمًا.
- اللامبالاة بماضيك أو مشاعرك: لا يريدون معرفة قصصك، مشاعرك، أو اهتماماتك.
- التخلي المفاجئ: يتركونك دون سابق إنذار، كما لو أن وقتك وعلاقتكما بلا قيمة.
كما قال والتر وينشيل: “الصديق الحقيقي هو الذي يدخل حياتك حين يخرج الجميع.”
فلنأمل أن نجد ذلك الصديق الحقيقي، الذي يفهمك، يرفعك، ويخرج أفضل ما فيك!











