
هل شعرت يومًا بأنك تتواجد مع شخص يفهمك تمامًا؟ ذلك الشعور بالراحة العميقة حين يمكنك أن تكون على طبيعتك، أن تترك حذرك جانبًا، وأن تتحدث دون خوف، لأنك تعلم أن هذا الشخص يدرك طريقة تفكيرك وفهمك للعالم حولك.
لكن، ماذا لو لم يفهمك أحد؟ شعور الإحباط، والألم، والعزلة يختلط داخلك… وربما الأشد قسوة هو عدم فهمك لنفسك؛ أن تفعل أشياءً، وأن تقول كلمات، وأن تشعر بمشاعر، دون أن تعرف سببها الحقيقي.
هنا يكمن السر العظيم: الله عز وجل يفهمك. وهو يسرّ بأن يُدركه الإنسان ويفهمه.

فهم الذات وفهم الله، هو جوهر كل رحلة روحانية. ولهذا السبب جاءت قصص الأنبياء لتكون نافذة للفهم. فهي تُظهر لك أنّ الله يفهمك، ويمكنك من خلالها أن تفهم نفسك، ثم أن تقترب منه لتدرك معانيه العليا.
فكر في نفسك للحظة، في قلبك، في أفكارك، في رغباتك… هل هي مغلقة؟ أم متفتحة لاستقبال النور والهداية؟ الله يدعوك دائمًا لفتح قلبك، ليقربك إليه، ويمنحك الشفاء والسلام الداخلي. لكن ذلك لا يتحقق إلا إذا فتحت نفسك له، بلا حواجز، بلا أقنعة.
من أعمق القصص التي تحمل هذا المعنى، هي قصة الفلاح الذي يزرع البذور. الفلاح ينثر البذور في الأرض، بعضها يقع على الطريق، فيأتي الطير ويأكله. هذه البذور تمثل علم الله وحكمته، أما الطريق الصلبة فهي قلوب البشر المغلقة. القلوب الصلبة، الصخرية، أو المليئة بالأشواك تمنع الإنسان من فهم المعاني العميقة، وتُبعده عن التوجه إلى الله، بينما القلوب الطيبة والناعمة تكون مستعدة لتلقي النور والإلهام.
الله عز وجل لا يتركك حيثما كنت. قلبك الصلب أو المليء بالأشواك، أو حتى الحيّ الصغير المليء بالفضول والخوف، هو المكان الذي يريد الله أن يقابلك فيه، ليبدأ معك رحلة الفهم والشفاء. فكل خطوة نحو فهم نفسك هي خطوة نحو فهمه، وكل وعي جديد تناله هو جسر بينك وبين روحك، وبينك وبين الله عز وجل.
اعمل على تأمل قلبك بصدق، اسأل نفسك عن حاله، عن مقاومته وخوفه، عن طرقه المغلقة وانفتاحه على النور. لأن من يفهم قلبه، يفهم الله، ومن يفتح قلبه لله، يكتشف ذاته وروحه بطريقة أعمق، ويجد السلام الذي طالما بحث عنه.
وفي رحلتك هذه، قد تجد أن لحظات الصمت، والتأمل الداخلي، هي المفتاح لفهم النفس والله معًا. فمهما كانت الظروف صعبة، ومهما شعرت بالاضطهاد أو الوحدة، تذكّر أن الله يُدبّر كل شيء بحكمة بالغة، وأن قلبك سيجد الطريق نحو الفهم والسكينة حين تفتح له.
ابدأ الآن، بخطوة صغيرة نحو فهم نفسك. امنح قلبك فرصة للارتباط بحكمته، ولتتلمس طريقك نحو الشفاء والطمأنينة. فكلما فهمت نفسك، أصبح بإمكانك أن تدرك الله أكثر، وتعيش حياة مليئة بالمعنى والوضوح الروحي، متجاوزًا كل العراقيل، ومستمتعًا بالحرية الداخلية والصفاء النفسي.











