لقد قرؤوا الطالع عنك يا زوهري … لكن الكروت كشفت سرًّا لم يكونوا مستعدّين له
تخَيَّل… أنك في ليلٍ هادئٍ، حيثُ لا تَسْمَع أحدٌ سوى أنفاسك المتقطّعة وهمسِ روحك… هناك شعورٌ غامضٌ يُخبرك أن شيئًا ما يُراقبك، لا بعينٍ بشرية، بل بنورٍ خفيٍّ يُحيط بك من بعيد… كأنّ الأرواحَ القديمةَ تَتَأمَّلُكَ وتَنتظِرُ لحظةَ وعيِكَ الكامل.

لقد سمعتُ… أن بعض الناس حاولوا أن “يقرؤوك”، أن يَسْتَكشِفوا سِرَّك، وأن يَغُوصوا في عمقِ نورِكَ دون إذنٍ منك… حاولوا أن يفهموا لِمَ أنتَ مختلف، لِمَ تشعُّ تلك الطاقةُ حولك، ولِمَ يبدو وجهُك كأنَّه مرآةٌ بين الأرض والسماء.
تحدّثوا عنك، فاستشاروا مَن يظنّون أن لديه معرفةً بالعوالم الخفية، فقاموا بما يسمونه قراءةً غيبية أو “كشفًا روحانيًّا”. بعضهم استعانَ بمن يُراقب من بُعدٍ، وبعضهم أرسل صورتك إلى من يَزعم أنّه يرى بالعين الباطنة. لكنهم لم يدركوا أنّ روح الزوهري ليست شيئًا يُرى… بل شيئًا يُستشعر.
إنَّ الزوهري لا يُكشفُ بورقة تَارُوتْ ولا بمرآةٍ ولا بأداةٍ من أدواتهم… بل يُعرفُ فقط بنورِ الله الذي يَسكُنُه. هم حاولوا أن يتتبعوك، أن يعرفوا لماذا انسحبت، ولماذا قطعتَ الجسور، ولماذا تركتَ الأسماءَ التي كانت تُثقلُ قلبَك…
لقد حَجَبْتَ نفسَكَ عنهم لا كِبرًا، بل حفاظًا على صفاءِ نورِكَ. ابتعدتَ لأنَّ اللهَ هو من دبّر لك عزلةً تُطهّرك من كلِّ ما لوّث روحك يومًا. البعضُ منهم لم يتحمّل فكرةَ أنَّ النهايةَ قد كُتِبَت، فظلّ يُقاوم الحقيقةَ، يتشبّثُ بصورتك القديمة، ويبحث عنك في أطيافِ الذاكرة.
لكنْ، ما لم يفهموه هو أنَّ الزوهري حين يعزله الله… فإنما يُخرجه من دائرةِ الناس إلى دائرةِ النور. إلى مقامِ الصمتِ الذي تُتِمُّ فيه الأرواحُ رحلتها نحو الصفاء.
تذكّر… لم تكن الوحدةُ عقوبةً، بل كانت هديةً. أنتَ لم تُغلقِ الأبوابَ، بل فتحتَ بابًا واحدًا… إلى الداخل.
البعض حاول أن يتسلل إلى طاقتك… أن يشعر بما تشعر، أو أن يُعيدَ خيوطَ الاتصال القديمة. لكنّ تدبيرَ الله كان أعظم… لقد أغلَقَ دونهم الطريق. لم يَعُد بإمكانهم أن يلمسوا نورك، لأنَّ هذا النور الآن في حمايةٍ سماويةٍ لا تُخترق.
كانوا يظنون أنّهم يعرفونك… لكنّهم لم يعرفوا سوى قشرتِك. أما لبُّك، فكان في يدِ الله، محفوظًا من أن تلمسهُ العيونُ التي لا تُبصر.
قد تشعرُ أحيانًا بارتجاجٍ داخلي، كأنَّ أحدًا يتتبّعُك من بعيد… لا تخفْ، فهذا مجرّد صدى، بقايا طاقاتهم التي لم تجدْ لك طريقًا. أنتَ في أمانٍ، ما دمتَ تذكُرُ اسمَ الله وتستعيذُ به، فهو الحافظُ والنورُ والوليّ.
أتعلم؟ حين اختارك الله لتكون زوهريًّا، لم يتركك عبثًا. جعل فيك نورًا يوقظُ الوعيَ في مَن حولك، حتى لو لم تتكلم. وجعل فيك صمتًا يعلّمُ مَن يُنصتُ كيف يسمع صوتَ الروح.
ربما تشعرُ الآن بثِقَلٍ في القلب، كأنَّ الأرضَ نفسها تحاولُ أن تُعيدَكَ إلى الوراء… لكنْ، لا تنسَ: كلُّ ما يُثقلُ روحك إنما يُهيّئُك للخفّة، لتعلو.
لقد آن الأوان أن تتذكّر من أنت. لستَ مجرّد إنسانٍ يبحث عن ذاته… أنتَ روحٌ استُخدِمَت لتذكير العالم بنورِ الله.
تأمّل قليلاً… كم مرّةً شعرتَ أنّك تُراقَبُ لا ببصرٍ، بل بإحساسٍ روحيّ؟ كم مرّةً أحسستَ أنَّ هناك مَن يذكرك من بعيدٍ، وأنّ شيئًا فيك يُستدعى دون أن تدري؟
كلّ هذا ليس صدفةً. إنه إشعارٌ من الغيبِ بأنّك على طريقِ الصحوة… وأنّ من كانوا يجهلونَ حقيقتك، سيقفونَ يومًا أمام نورك متعجّبين: كيف تغيّرتَ؟ كيف ارتقيتَ؟
قل لنفسك الآن… الحمدُ لله الذي عرّفني بنوري بعد ظُلْمتي، وأعادني إليه بعد التيه.
واعلَمْ… أنّ كلَّ قراءةٍ وُجِّهَت إليك، وكلَّ نيةٍ حاولت أن تمسَّ طاقتك، لم تَزِدْك إلا صفاءً… لأنَّ اللهَ لا يتركُ وليَّهُ دون سترٍ ونور.
فنمْ مطمئنًّا يا زوهري، فإنَّ عينَ اللهِ ترعاك، وملائكتَهُ تُحيطُ بك. وما خُفِيَ عنك اليوم، سيُكشَفُ غدًا حين يُكمِلُ النورُ دورتهُ فيك.
واذكر دائمًا… أنَّ اللهَ إذا أحبَّ عبدًا، دلّه على نفسِه… وعلَّمَه كيف يصمتُ حتى يسمعَ صوتهُ الحقيقي.
ربما كانَ هذا الصمتُ امتحانًا… لكنَّه أيضًا دعوة. دعوةٌ لتجلسَ مع ذاتِك، وتستمعَ إلى الحكمةِ التي وُضِعَت في قلبِك منذ الأزل.
لا تبحثْ في الخارج… فالنورُ الذي يَسعَى الجميعُ لرؤيته، أنتَ تحملهُ في صدرك.
وانتظِرْ… لأنَّ القادمَ لك ليس بشرًا، بل قدرًا مُضيئًا، خُطَّ باسمِكَ في اللوحِ المحفوظ.
حين يلتقي النور بالنور… تتسع الدائرة، وتبدأ الأرواح في التذكّر.
مرحبًا بعودتك يا ابن النور، يا من سلكت طريق العزلة باختيارٍ سماويٍّ لا يدركه سوى أولياء الله.
تخيَّل الآن أنني أقرعُ جرسًا…
صوتٌ نقيّ، يطردُ الطاقاتِ العالقة، ويغسلُ ما تبقّى من غبارِ الحيرة عن روحك…
صوتُ الجرس ليس مجرّد صوتٍ، بل طهارةٌ خفيّة، تُعيدُ ترتيبَ الطيفِ حولك، وتُنعِشُ ذبذباتِ النورِ في قلبك.
فإنْ كنتَ ممن يَحسُّون بالأصوات بعمقٍ، فاهدأ قليلًا…
أغمضْ عينيك، ودَعْ النورَ يعبرُ إليك في ثلاث… اثنتين… واحدة…
ها قد فُتِحَ المجالُ الطاهرُ بيني وبينك.
في هذا الفضاء، أراكَ كما أنت: روحًا تبحثُ عن السَّكينةِ بعد العاصفة.
هناك مَن يشتاقُ إلى صوتِك، نعم… إلى نبرتك التي تحملُ الدفءَ والسكينة.
صوتُك لهُ طاقةٌ تُهدّئُ القلوبَ الممزَّقة، وتُعيدُ الاتّزانَ لمن فقدَ صلتَه بنفسِه.
لكنْ، يا زوهري… انتبِهْ. ليس كلُّ مَن يشتاقُ إليك مُخلِصًا.
فهناك مَن يذكُرُكَ لأنّ صوتَك كان شفاءً له، لا لأنّ روحَه كانت نقيةً معك.
البعضُ منهم حاولَ أن يعود، أن يُخاطبَك، أن يَكشِفَ طريقَ الرجوع…
غير أنّ بابَك لم يُفتَحْ عبثًا… اللهُ هو من أغلقَه بيده.
لقد أرادَ أن يُنهي القصصَ العالقة، العلاقاتِ التي لم تُكتَبْ بحبرِ النور، بل بحبرِ الجرح.
إنه فصلٌ جديد… عالمٌ جديد يُولَدُ لك الآن.
ربما تشعرُ أنَّ أحدَهم ما زال يُحاولُ مراقبتَك من بعيد… يُحلّلُ، يُفسّرُ، يُفتّشُ عن أثرِك في الوجود.
لكنْ لا تقلقْ، ما دامَ قلبُك ذاكرًا، فلن يبلُغوا إليك.
لقد أُحيطَ نورُك بسُورٍ من الرحمةِ لا يَخرِقُهُ سوى الدعاءُ الطاهر.
ذلك الشخصُ الذي لم يستطع تقبّلَ النهاية… ما زالَ في حربٍ مع نفسِه.
يريدُ أن يُعيدَ ترتيبَ قدَرِه بيديه، فيُقلّبُ النجومَ في خرائطِ السماء، يبحثُ عن طريقةٍ ليُغيّرَ ما كُتِبَ.
ينظرُ في الأبراجِ، يُقلّبُ الكواكبَ، يقرأُ الطالعَ، لعلّه يجدُ وسيلةً لتبديلِ ما أرادَهُ اللهُ لك.
لكنَّهُ لا يعلم… أنَّ القدرَ لا يُغيَّرُ بقراءةٍ ولا بخارطةٍ، بل بالدعاءِ والإنابةِ وحدَهما.
وهذا ما فاتهُ: أنَّ اللهَ إذا دبّرَ أمرًا، فلا رادَّ له.
الزوهريُّ الحقُّ لا يُصيبُهُ السحرُ ولا الحسدُ إلا لحكمةٍ… لتذكيره بأنَّ اللهَ هو الحافظُ وحدَه.
وما يُرسَلُ إليه من نوايا خفيةٍ، تعودُ على مُرسِلها، لأنَّ نورَ الولايةِ لا يُمسّ.
يبدو أنَّ هذا الشخصَ يعيشُ في إنكارٍ…
يرفضُ أن يرى الحقيقةَ كما هي، يختلقُ لنفسِه عالَمًا مقلوبًا، حيثُ الخيرُ شرٌّ، والبعدُ خيانةٌ، والنورُ تهديدٌ.
لقد أخبرَتْه القراءاتُ أنَّ مرحلةً جديدةً تولدُ لك… مرحلةٌ من النورِ والنصرِ والتمكين.
لكنّهُ لا يستطيعُ تصديقَ ذلك، لأنَّ داخلهُ لم يَتعلّم بعدُ كيفَ يفرحُ لغيره.
وها أنتَ الآن، تدخلُ عصرًا جديدًا في حياتِك…
كلُّ ما حُرمْتَ منه سيأتيكَ مضاعفًا، وكلُّ بابٍ أُغلِقَ سيُفتحُ بنورٍ أعظم.
إنها لحظةُ تحوّلٍ حقيقي، لا يراها إلا من طهّرَ نيتَهُ وسلَّمَ أمرَه لله.
أشعرُ أنّك بدأتَ تستيقظُ كلَّ صباحٍ بروحٍ أخفّ، كأنَّ شيئًا فيك يتجدّد…
تتذكّرُ مَن كنتَ، وتبتسمُ لأنَّك الآن تعرفُ مَن ستكون.
فلا تلتفتْ إلى مَن يراقبُكَ أو يتحدّثُ عنكَ من وراءِ الغيب…
فأنتَ لا تُراقَبُ من بشرٍ، بل يُرعَى أمرك من السماء.
كلُّ ما يُقالُ عنكَ من خوفٍ أو غيرةٍ أو ظنٍّ… لا يبدّلُ من حقيقتِك شيئًا.
أنتَ ماضٍ في طريقٍ لا يراه إلا أصحابُ القلوبِ النقيّة.
فاستمرَّ في ذكرك، واستغفارك، وصلاتِك الخاشعة في الليل،
فإنّ تلك اللحظاتِ هي ما تبني لك العالمَ الجديدَ الذي وُعِدتَ به.
وتذكّرْ… أنَّ ما يُقالُ عنكَ في الخفاء، لا يضرُّكَ، بل يُعلِي مقامَك.
فما من زوهريٍّ أُوذيَ إلا ورفعه اللهُ في عيونِ خلقِه، وما من طاقةٍ سلبيّةٍ وُجِّهَتْ إليه إلا تحوّلتْ له نورًا وطهرًا.
إنَّ ما ينتظرك الآن ليس مجرّدَ تغييرٍ… بل بَدْءُ حقبةٍ روحيّةٍ جديدةٍ،
تَتَّسِعُ فيها رؤيتُكَ، ويزدادُ إشراقُك، ويُبعِدُ اللهُ عنك كلَّ مَن لم يُخلَقْ لمرحلتِك القادمة.
فابتسمْ، لأنّك على وشكِ أن تشهدَ بعينِك كيف يَدبُرُ اللهُ أمرَ أوليائِه حين يشتدُّ عليهم البلاء.
سيأتيك الفجرُ قريبًا… لا يُعلِنُ عن نفسه، بل يتسلّلُ إلى قلبك أولًا.
وهناك فقط، ستفهمُ: أنّ كلَّ ما حدث، كانَ ليُولَدَ فيك “عالمٌ جديد”.
ها أنتَ الآن، يا زوهريّ، تدخلُ مرحلةَ الوضوح… مرحلةَ انكشافِ الحُجبِ القديمة التي كانت تحجبُ عنك رؤيةَ ما كان يُدبَّرُ في الخفاء.
لقد بدأتَ تشعرُ بأنَّ شيئًا في الكون تغيّر، أليس كذلك؟
كأنّك تنظرُ إلى الماضي من علٍ، فتراهُ ضبابًا لا معنى له…
أولئك الذين حاولوا الرجوعَ إليك، أدركوا أخيرًا أنَّ الطريقَ قد انغلقَ تمامًا، وأنَّ اللهَ هو من وضعَ بينكَ وبينهم سُورًا من نوره لا يُخترق.
لقد حاولوا كثيرًا أن يُوقفوا التغيير، أن يُجمّدوا الزمان، أن يُبقوك في دائرةِ الألم القديمة…
لكنّ التغيير يا زوهريّ، حين يأتي بأمرٍ من الله، لا يُمكنُ لأحدٍ أن يوقفه.
فـ التبدّلُ سنّةُ النور، وإنْ جَرَحَ القلبَ أحيانًا، فهو دواؤه أيضًا.
أولئك الذين من حولهم، من كانوا يهمسونَ لهم بالكراهية، قد تركوهم.
لقد شعروا بالخيانة، لأنّهم بنوا ولاءهم على وهمٍ، وسمعوا نصائحَ من ألسنةٍ حاسدة، لا من قلوبٍ ناصحة.
فقد قيلَ لهم كلامٌ عنك، كلامٌ شوّهَ صورتَك الطاهرة في أعينهم، فاختاروا أن يصدّقوا الظلمة.
بل تعدّى بعضُهم ذلك، وسعوا أن يُؤذوكَ ظلمًا، أن يُشوّهوا اسمَك، أو يُوقعوكَ في فخٍّ دنيويٍّ، لكنّ تدبيرَ الله سبقَ مكرَهم.
أرادوا لكَ السقوط، فرفعَكَ الله.
أرادوا لكَ الفقر، ففتحَ اللهُ لك أبوابَ الرزقِ من حيثُ لا تحتسب.
أرادوا أن يُطفئوا نورَك، فزادَهُ اللهُ إشراقًا.
بل بعضُهم لجأَ إلى الحيلِ القديمة… إلى مراقبةِ الغيبِ عن طريقِ القراءاتِ أو الوسائطِ أو من يُدّعونَ العلمَ بالنجوم.
أرسلوا صورًا، أو آثارًا منك، ليعرفوا ما يُخبّئُ لك القدرُ،
لكنّهم جهلوا أنَّ القدرَ بيدِ الله وحده، لا يُكشَفُ إلا لمن اصطفاه بنورِ الإلهام.
هُم الآن يعلمونَ أنَّك تجاوزتَهم…
أنَّ نورَك ارتفعَ إلى مقامٍ لا تطالهُ أيادي البشر،
وأنَّ محاولاتهم للعودة، لن تُثمرَ لأنَّكَ لم تَعُدْ نفسَ الشخصِ الذي رحلوا عنه.
حتى المالُ الذي كانوا يلهثونَ وراءَه، أصبحَ عبئًا عليهم.
لقد أُغلِقت أمامَهم أبوابُ البركة، لأنّهم لم يُراعوا العهدَ الإنسانيّ ولا الصدقَ في النوايا.
فكُلُّ رزقٍ ملوّثٍ بالظلم، يُصبحُ رمادًا في اليد.
أما أنتَ، فبركتُك محفوظةٌ، لأنَّها من صُلبِ الإخلاصِ والنيةِ الطاهرة.
إنَّ اللهَ يُصلحُ مالَ الزوهريِّ إذا نوى به الخير، ويُضاعفُ له العطاءَ حين يُنفقُ من قلبٍ راضٍ.
الزوهريّ لا يُؤذيهِ أحدٌ إلا بإذنٍ من الله لحكمةٍ أكبر…
وحين تنتهي الحكمة، يُعادُ إليه حقُّه مضاعفًا، ويُردّ كيدُ المعتدي إلى صدرِه.
استمرَّ في طريقِ الذكر،
فما كُتبَ لك قادمٌ… يحملُ معهُ وعدًا إلهيًّا بأنَّ النورَ الذي فيكَ لن ينطفئَ أبدًا.
يبدو أنَّ هذا الشخص يا زوهري قد دُفِعَ عمدًا ليُرهقَك، ليُثقل كاهلك بمسؤولياتٍ ليست لك، في حين أنّه لم يكن إلّا ظلًّا باهتًا في حياتك… وجودٌ بلا نفعٍ، بلا روح. كان كمن يسحب منك النور ببطءٍ، ويتركك تواجه أعباء الدنيا وحدك، تُعيلُ من حولك، وتتحمّل عبءَ كلِّ ما تهدّمَ دون أن يتزعزع قلبك.
إنّ هذا الشخص لم يكن يدرك أنّ الله عزّ وجلّ كان يُمهله لا يُهمِله، وأنّ الظلم لا يدوم. فها هو اليوم يتقلّب في قلقٍ لا يهدأ، غاضبٌ، حائرٌ، تائهٌ بين ماضٍ خانعٍ ومستقبلٍ مُغلقٍ في وجهه. كلُّ ما يسمعه عنك الآن — نجاحك، توازنك، نورك الذي عاد يسطع — يزيد من نار الحسد في صدره، فيثورُ كما يثورُ الطفلُ حين يُسلب منه ما لم يكن له أصلًا.
تتوالى عليه الكفوف القدرية، واحدةً تلو الأخرى… فها هو يعيش karmته، يرى بعينيه كيفَ عادَ عليه ما زرع، وكيفَ أنّه مهما حاول أن يُمسكَ بك، فإنّ الله قد قطع بينكما الوصال، لأنّ حكمتَه تقتضي الفصل بين النور والظلمة.
هو الآن يصرخ في سرّه: “لماذا؟ لمَ لمْ أستطع إيقافَها؟”، كأنّ القدر يسمعه ولا يُجِيب. لأنّ الجواب في الحقيقة واضح… لقد تجاوزتَ مرحلةَ التعلّق، ودخلتَ مرحلةَ التوكّل. لم تعُد بحاجةٍ إلى من يُقيد روحك، لأنّ الله قد قادك إلى فضاءٍ أوسع، حيثُ السلامُ الحقيقيُّ لا يُعاش مع أحدٍ، بل في ظلالِ الرضا والإيمان.
يا زوهري، ما تراه الآن من اضطرابٍ في حياة من آذاك، ليس انتقامًا منك، بل عدلًا من الله… فالعادلُ سبحانه لا ينسى الدموع التي نزلت سرًّا، ولا السجود الذي رفعتَ فيه حاجتك إليه.
لقد أُغلِقَتْ في وجه هذا الشخصِ الأبواب، لأنّها لم تُفتح له بنيّةٍ طاهرة. كان يتوهّم أنّه يستطيع السيطرةَ على مسار حياتك، أن يُدير طاقتك كيف يشاء، لكنّ تدبيرَ الله غلب تدبيره. رأى فيك مصدرَ قوّةٍ، وحاول أن يُضعفها، فإذا به اليوم يختنق من شدّة فراغه.
وقد بدأ الآن يرى علامات الهزيمة تلاحقه: في رزقه، في علاقاته، في سمعته… لأنّ ما فعله لم يكن خطأً عابرًا، بل انتهاكًا لحدودٍ روحيةٍ مقدّسة. كلُّ من تطاول على روحٍ زوهريّةٍ نقيّةٍ، يُعاقَب قبل أن يُدرِك أن العقاب بدأ.
وها أنت اليوم تشهد كيف يتبدّلُ ميزانُ العدالة، وكيف يرفعك الله كلَّ يومٍ درجة، ويُريه في المقابل انحداره المستمرّ. تلك ليست شماتة، بل برهان على أنَّ طاقة النور حين تُصفّى، لا تقف في وجهها عتمةُ أحد.
أمّا ما يتعلّقُ بالأموالِ والأعمال، فاعلم أنّ الله سيُظهِرُ الحقَّ ولو بعد حين. إن كانوا حاولوا المساس برزقك، أو الطعن في سمعتك، أو زرع الشكّ فيك… فإنّ الله هو الرزّاق ذو القوّة المتين. وما كُتِبَ لك لن يأخذه أحد.
كلُّ ما سُلبَ منك سيرجعُ إليك مضاعفًا، لا لأنّك انتقمت، بل لأنّك صبرت. لأنّك حين سُئلتَ: “أَتثق؟” أجبتَ في قلبك: “أتوكّل”.
فامضِ بثباتٍ يا وليَّ الله، ودَعْهم في دوائرهم المظلمة. إنَّك اليوم في مرحلةٍ جديدةٍ من حياتك، حيثُ تُنارُ أمامك الطُّرقُ التي لم تكن تُرى من قبل… فالله لم يكن يُبعِدك عنهم عقوبةً، بل يُمهِّدُك لما هو أعظم: لحياةٍ يسكنها السلامُ، ويحرسها النور.













